الشديفات تكتب: الشيك في القانون الأردني.. من الحماية الجنائية إلى الإجراءات المدنية (تحليل للتعديلات التشريعية الأردنية) ـ بقلم: شهد رضا الشديفات

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


منذ بدء العمل بورقة الشيك، ساهمت بشكل كبير في تسهيل وتنظيم المعاملات المالية، خاصة التجارية منها. فالشيك يقوم مقام النقود، ويعد وسيلة سريعة وآمنة في التعامل، نظرًا لما يتمتع به من حماية قانونية، الأمر الذي أكسبه ثقة المتعاملين به.في الأصل، اعتبر الشيك أداة وفاء، أي وسيلة لسداد الدين مباشرة، وليس لتأجيل الدفع أو منح مهلة للمدين، وهذا يعني أن من يحمل الشيك له الحق في صرفه فورًا كأنه نقد. لكن في الواقع العملي داخل الأردن، انحرف استخدام الشيك عن هدفه الأساسي، وأصبح يُستخدم كأداة ائتمان، أي كوسيلة لضمان الدين المؤجل، وليس كوسيلة وفاء فوري. هذا الاستخدام غير الصحيح أدى إلى ضعف الثقة في الشيكات، بالرغم من الحماية القانونية الكبيرة التي منحها المشرع الأردني لها، وخاصة من خلال العقوبات الجزائية التي كانت تفرض على من يحرر شيكًا دون رصيد كافي.ومع ازدياد أعداد الشيكات المرتجعة، ارتفع أيضا عدد القضايا الجزائية المتعلقة بها، مما شكل عبئًا كبيرًا على القضاء، وساهم في ازدياد أعداد المحكومين في هذه القضايا. وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على مراكز الإصلاح والتأهيل، التي أصبحت مكتظة بالنزلاء بسبب هذه القضايا، مما شكل عبئًا ماليًا وإداريًا على الدولة. هذا الواقع دفع المشرع إلى التفكير في حلول قانونية تحد من هذا الاستخدام الخاطئ للشيك وتقلل من آثاره السلبية.وبناءًا عليه، جاءت تعديلات تشريعية جديدة، شملت قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، حيث صدر القانون المعدل رقم 10 لسنة 2022، والذي غيّر من طريقة التعامل مع الشيكات جزائيًا. أهم ما جاء به هذا التعديل هو الفقرة (8) من المادة (421)، والتي نصت:“لا تسري أحكام هذه المادة على الشيكات الصادرة بعد ثلاث سنوات من نفاذ أحكام هذا القانون المعدل.”وبما أن القانون نفذ في 23 يونيو 2022، فإن هذا يعني أن الشيكات التي تصدر ابتداءا من 23 يونيو 2025 لن تكون مشمولة بالحماية الجزائية، ولن يعاقب محررها جزائيًا، بل يطالب بقيمتها من خلال الوسائل المدنية فقط.كما شملت التعديلات أيضا قانون التنفيذ الأردني رقم 25 لسنة 2007، الذي تم تعديله في عام 2022. ومن أبرز التعديلات التي دخلت حيز التنفيذ في 25 يونيو 2025 ما ورد في المادة 22، والتي تضمنت وقف حبس المدين في الديون الناشئة عن الالتزامات التعاقدية، مثل الشيكات والقروض الشخصية. ولكن بالمقابل، حدد المشرّع بعض الاستثناءات التي يمكن فيها حبس المدين دون الحاجة لإثبات قدرته المالية، ومنها: حقوق العمال، و النفقة، والمهر.كما تم تقنين الحبس من خلال وضع حد أقصى لمدة الحبس، بحيث لا تتجاوز 60 يوما في السنة الواحدة لكل دين، وبحد أعلى لا يتجاوز 120 يوما في جميع القضايا.و منع القانون الحبس في حالات معينة.كل هذه التعديلات تعكس تحول واضح في نهج المشرع الأردني، من اعتماد الحبس كوسيلة لتحصيل الديون إلى الاعتماد على وسائل مدنية مثل الحجز على أموال المدين، أو منع سفره، أو إعلان إعساره أمام المحكمة. هذا التحول يعكس فلسفة جديدة تقوم على المسؤولية المدنية بدلا من العقوبة الجزائية، وهو توجه يحقق العدالة الاجتماعية، ويخفف العبء عن النظام القضائي و السجون و يحمي الاقتصاد الوطني.إضافة إلى ذلك، يتماشى هذا النهج مع المعايير الدولية، خاصة المادة (11) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تؤكد على أنه لا يجوز سجن شخص لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي و قد التزمت الدولة الأردنية بهذا العهد منذ توقيعه ومصادقته.لكن بالرغم من هذه التعديلات، ظهرت أصوات معارضة اعتبرت أن إلغاء حبس المدين يضعف من حق الدائن، بحجة أن الحبس كان وسيلة ضغط فعالة لتحصيل الحقوق. إلا أن هذا الرأي لا يدرك أن الحبس لا يعيد المال ولا يحسن من قدرة المدين على السداد، بل قد يزيد الوضع سوءًا. أما التعديلات الجديدة فهي لم تلغي حق الدائن، بل منحت وسائل قانونية فعالة لتحصيل الدين، مثل الحجز ومنع السفر. كما أن المشرع راعى مصلحة الدائن من خلال استثناءات عادلة في حالات مثل النفقة والإيجارات.الخلاصة، التعديلات الأخيرة التي أجراها المشرع الأردني على قانون العقوبات وقانون التنفيذ تعكس تحولاً تشريعياً مدروساً، يوازن بين حماية الحقوق وتطبيق العدالة و يواكب في الوقت نفسه المعايير الدولية. وانّ هذه التعديلات لا تضعف من قوة القانون بل هي تعزز عدالته وتجعله أكثر إنسانية وفعالية.قائمة المراجع:1. الوجبز في القانون التجاري، د.عزيز العكيلي .2. الأوراق التجارية، د.محمد علي بني مقداد.3. قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته.4. قانون التنفيذ الأردني رقم (25) لسنة 2007 وتعديلاته.5. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.6. د. بسام التلهوني.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً